روضة الصائم

الرواحي: شهر رمضان المبارك ينتظره المسلمون في مشـــــارق الأرض ومغاربها

13 مايو 2019
13 مايو 2019

كي ينالوا بركته ونفحاته وفضله الأعلى «التقوى»

بالصيام يتخلص الإنسان من الشح والبخل ويطهر نفسـه من الآثــــــام والأوزار -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد الشيخ محمد بن زهران الرواحي باحث شؤون إسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ان شهر رمضان المبارك شهر ينتظره المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها كي ينالوا بركة هذا الشهر الكريم، وينالوا نفحاته الطاهرة المطهرة، وهديه ونوره المبين.

وأضح الرواحي ان بالصيام يتخلص الإنسان من الشح والبخل ويطهر نفسه من الآثام والأوزار، فعبادة الصوم خالصة لوجه الله تعالى فهي سر بين العبد وخالقه.. وإلى الجزء الأول من اللقاء المكون من جزأين.

- كلمة عن الشهر المبارك، وأهمية إخلاص الأعمال فيه مصداقا للحديث القدسي: «الصوم لي وأنا أجزي به».

من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى فضل بعض الأشهر على بعض؛ كما أنه سبحانه وتعالى فضل بعض النبيين على بعض؛ أما عن الأشهر فهي أشهر الحج، وأما عن النبيين فهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام؛ إلا أن من الأشهر شهرا فاق كل الأشهر فضلا وتكريما وإنعاما؛ ألا وهو شهر رمضان المبارك؛ كيف لا؟، وقد وصفه الله رب العزة والجلال بأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن؛ إذ قال جل وعلا في كتابه العزيز: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان» (سورة البقرة من الآية 185)؛ من هنا كان هذا الشهر الكريم المبارك أفضل الشهور عند الله؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه آخر كتاب من عنده سبحانه وتعالى؛ إلى آخر رسله من لدنه جل وعلا، ولأن هذا الكتاب العزيز جاء مهيمنا على الكتب السابقة كما وصفه رب العزة والجلال بقوله سبحانه: “وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه.. (سورة المائدة من الآية 48)؛ لذا شريعته هي المتبعة، وهديه هو المسلوك.

إن شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي ينتظره المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها؛ كي ينالوا بركة هذا الشهر الكريم، وكي ينالوا نفحاته الطاهرة المطهرة، وكي ينالوا هديه ونوره المبين؛ إنه شهر القرآن؛ شهر المعجزة الخالدة الباقية إلى يوم الدين؛ إنه الشهر الذي نزل فيه جبريل بوحي الله إلى رسوله الكريم سيدنا ونبينا محمد النبي الأمي الأمين؛ فغدا نبراسا للعالم؛ يرتوي منه كل يوم؛ بل كل ساعة وثانية شعر أو لم يشعر. الله أكبر.

هذا وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل هذا الشهر الكريم بقوله عليه الصلاة والسلام: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ولو علمتم ما في رمضان لتمنيتم أن يكون سنة.” (مسند الإمام الربيع بن حبيب)؛ فأي فضل هذا، وأي تكريم هذا، وأي إنعام هذا؛ يغفر للصائم ما تقدم من ذنبه؛ سبحان الله؛ كل ذنب فعلته أيها الصائم؛ يأتي شهر الصيام؛ شهر رمضان المبارك؛ فيغفره الله لك كلمح البصر؛ فألا تشكر الله على هذه النعمة؛ فألا تشكر الله على هذا الفضل؛ فألا تشكر الله على هذا التكريم؛ إنه تكريم ما بعده تكريم، وفضل ما بعده فضل، ونعمة ما بعدها نعمة؛ إنه شهر الصيام؛ شهر رمضان المبارك؛ فيا عبدالله، ويا أمة الله؛ لا يغرنكما الشيطان؛ فكما أنكما تعلمان أنكما مخلوقان؛ لا بد أن تعلما أنكما سترجعان إلى مَن خلقكما؛ لا بد من ذلك؛ لا مناص من ذلك ولا مفر؛ إنه الله؛ وَعَدَ لعباده المتقين الجنة، وتوعّد للعاصين النار والعياذ بالله.

يأتي الفضل الآخر، ويأتي التكريم الآخر، ويأتي الإنعام الآخر؛ لهذا الشهر المبارك؛ شهر رمضان المبارك؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين.” (رواه مسلم)؛ سبحان الله؛ كل هذا في هذا الشهر المبارك الكريم؛ تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين؛ سبحان الله؛ ما أحلمك يا الله؛ كم من مذنب قبل الشهر الكريم؛ فيأتي هذا الشهر الكريم؛ فاتحا أبواب الجنة؛ يقول لكل مذنب هلا استغفرت من ذنبك؛ هلا تبت من زلتك؛ هلا رجعت إلى خالقك؛ هذه الجنة مفتوحة لكل أواب؛.. سبحان الله؛ هو الله الحليم؛ هو الله التواب؛ هو الله الرحيم؛ هو الله الغفور، هو الله الودود.

على أن الفضل الأعلى للصيام مضمونه في هذه الآية الكريمة، وهي قوله سبحانه وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. (سورة البقرة الآية 183)؛ ففي هذه الآية الكريمة يبين الله سبحانه وتعالى فضل الصيام الأعلى ألا وهو اكتساب التقوى، وهذا بطبيعة الحال يوافق الحديث القدسي القائل: “ كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به.”؛ فهذا الحديث القدسي، وتلك الآية الكريمة؛ ثمرة الصيام الكبرى ألا وهي اكتساب تقوى الله سبحانه وتعالى, وهو واضح لكل ذي عينين، وقلب بصير، وقد يحتاج هذا إلى تفسير أو توضيح مبسط لذوي الأفهام؛ فأقول وبالله التوفيق: بما أن كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لله؛ فمن هنا تتجلى التقوى بأعلى معانيها، وأفضل مغزاها؛ ذلك لأن الصوم لا يطلع إليه أي مخلوق؛ سوى الله عز وجل؛ الخالق الواحد الأحد الصمد؛ فمن هنا كانت التقوى هي الثمرة الكبرى للصائم، ومن هنا يتجلى السر العميق في قوله سبحانه وتعالى عن الصيام في الآية الكريمة: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.”؛ فقوله سبحانه وتعالى في نهاية الآية الكريمة: “لعلكم تتقون”؛ هو السر العميق للصوم؛ ألا وهو اكتساب التقوى، وهو ما يوافق كذلك المعنى الدقيق للحديث القدسي الآنف الذكر؛ كما سبق بيانه؛ فيتجلى الإخلاص بأعلى معانيه، وأفضل أوصافه من خلال الصيام؛ فهو سر بين العبد وخالقه؛ إن صام العبد؛ فالله مطلع عليه وحده جل وعلا؛ قد يرى الناس المصلي وهو يصلي، وقد يروه وهو يزكي، وقد يروه وهو يحج؛ بينما حين صومه؛ حين إمساكه عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات؛ لا يراه أحدا سوى الله عز وجل؛ حتى وإن وظهر للناس أنه صائم؛ فلن يستطيع أن يظهر ذلك لله؛ حتى يكون ظاهره موافق لباطنه؛ من هنا كانت عبادة الصيام خالصة لوجه الله تعالى؛ فهي سر بين العبد وخالقه؛ لذا جاء وصف الله عز وجل لها في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له؛ إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به.”؛ على أن إسناد الصوم لله، وهو سبحانه يجزي به؛ يعطي معنى آخر؛ كما ذكر ذلك أهل العلم، وهو عِظم ثواب شهر الصيام؛ فثوابه غير محدود، وأجره غير معلوم؛ إلا عند الله عز وجل، وهو سبحانه يضاعف الحسنات إلى ما شاء سبحانه وتعالى؛ لا يعرف حد ذلك سواه جل وعلا.

ـ كيف يمكن للإنسان ضبط نفسه في رمضان وغيره؟

إن الصيام مدرسة عظيمة لمن وعاها حق الوعي، وفهمها حق الفهم؛ ذلك لأن بالصيام يتخلص الإنسان من الشح والبخل، ويطهر نفسه من الآثام والأوزار، ويعوّد نفسه على الصبر والتحمل والجَهد، ويحرص على اكتساب الحسنات تلو الحسنات، والطاعات تلو الطاعات؛ فمنذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس ترى الصائم حريصا على أن لا يبطل صومه؛ فهو في جهاد مستمر، ونفس لا تكل عن عمل الفرائض والطاعات والقربات؛ فيحرص على إقامة الصلوات في المسجد، ويجتهد في ذكر الله، وتلاوة القرآن، ويتصدق على الفقراء والمساكين، ويصلي التراويح، وصلاة التجهد؛ هذا دأب الصائم في يومه وليلته، وعلى المسلم كذلك أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ عند بلوغه العشر الأواخر من رمضان؛ فقد جاء “عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر؛ شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” (صحيح البخاري)؛ فهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان، وذلك تحريا لبلوغ ليلة القدر؛ التي هي خير من ألف شهر؛ فهو بهذا عاملا بإذن الله بما ينبغي له عمله من التقرب إلى الله عز وجل في هذا الشهر المبارك؛ كما أن على المسلم أن يجتنب مجالس اللهو والغيبة والنميمة وغيرها من الآثام والمعاصي؛ فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قوله: “من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” (رواه البخاري)؛ فهل الذي يترك التدخين وقت صومه في النهار، ويدخن في الليل؛ هل هذا صائم؟؛ أم داخل في وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق؟؛ أليس التدخين حراما؟؛ بلا؛ هو حرام، وأجمعت الأمة على حرمته؛ فيا أيها الصائم؛ كما قلعت عن التدخين وقت صيامك؛ أقلعه البتة؛ فلن ينفعك التدخين؛ بل التدخين مَضَرّة، وقد جاء في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وسلم قوله: “لا ضرر ولا ضرار” (صحيح ابن ماجه)؛ فلا تضر نفسك، ولا تضر غيرك أيها المدخن؛ هذا هو الإسلام؛ هذا هو الدين الحق.